abd al rahman al rifai عضو شرف
الدولة : veneدا zuela الجنس : عدد المساهمات : 608 نقاط : 1857 تاريخ الميلاد : 01/01/1947 تاريخ التسجيل : 20/04/2011 العمر : 77 الأوسمة : المزاج : حليم
| موضوع: عندما تنزف سورية .. بين الوطنية والوثنية ...نارام سرجون الأحد مايو 06, 2012 12:41 am | |
|
عندما تنزف سورية .. بين الوطنية والوثنية ... " نارام سرجون " لست أملك نواصي الحروف ولاأقدارها .. ولست أمسك بأعنّة الكلمات لأهدئها عندما تثور وتضرب بحوافرها سجون صدري وسياج عقلي .. ولم أتعود على التلويح بالسياط وفرقعتها لأحرك الحروف كالقطعان على حظائر السطور .. ولست جنرالا من جنرالات اللغة، يضع النجوم الثقيلة والنياشين الكثيرة التي تنوء بحملها الأكتاف والصدور، وتخضع لأوامره فيالق الكلام وكتائب النثر وتراكيب ودروع اللغة العربية .. وأنا لست راعيا عند أحد .. وكلماتي ليست قطعانا لأغنام القرية .. ولا لأي آغا .. أو باشا .. أو نظام .. أو ثورة .. لست كل هؤلاء ..ولست أيّا من هؤلاء ومع هذا فان كل الكلمات تعرفني .. وكل الحروف تأبى الا أن تصافحني .. لأنني لاتنام قصيدة قبل أن أتناول معها العشاء ثم أحكي لها حكاية المساء .. ولأنني أنا من يمشط شعر القوافي بأمشاط دمشقية .. وأنا من يعلمها فن الحرية والتمرد .. ويطلقها من سجون التقاليد والنفاق .. فالكلمات تعشق من يواعدها تحت المطر وليس في حفلات الصالونات والقصور .. وأنا أقدر أن أكون ساحرا يحيل كل الكلمات الى أسراب عصافير وطيور سنونو تطير من قبعته ولايهدأ ضجيجها وهي ترف على أشجار العقول .. وأنا من يضع على أكتاف الكلمات وشاحا عندما تغفو في برد المساء لئلا تصاب بالقشعريرة والزكام.. ولكن .. ولكن .. ولكن ماأصعب الكلام أقوله لامرأة حزينة على شهيد فقدته هذه الأيام ..ماأصعب الكلام ماالذي يحدث في صداقتي للكلام أمام دموع امرأة غصت وهي تتذكر حبيبها الذي لن يعود .. وشقيقها الذي تحول الى ذكرى من الطفولة .. كيف يصبح الكلام خشبا .. بعد أن كان ماء وخمرا وعنبا وكل صداقتي للكلام .. وكل علاقاتي الغرامية والسرية بالقصائد .. وكل عناقي للكلمات وكل رقصاتي مع خصورها .. وكل دروس النزق .. وكل مالدي من كنوز الصور والقبل مع اللغة والبيان .. كل مالدي .. لم ينفع أمام كلمات امرأة وصلت دموعها الى بريدي فبللته .. استشهد أخوها..أو زوجها ..أو ولدها .. استشهد بطلا وهو يرتدي بزته العسكرية ..أو يرتدي نجمتين قطفهما من علم بألوان ثلاثة ..أحمر ..وأبيض ..وأسود فعلى باب بريدي وقفت هذه الكلمات المبللة بالمطر وحزن الغيوم والتي انحنيت لها انحناءة طويلة ..وتلعثم كلامي .. فاسمحوا لي أن أقدمها لكم لتنحنوا مثلي لها ولتعرفوا نعمة الانحناء للصدق الذي يستحق الانحناء ..ولتعرفوا متى يكون الانحناء عملا عظيما يباهي به الانسان: نارام العزيز: كتاباتك كانت دائما ملهما لي في هذه الايام السوداء التي تمر فيها سوريا الحبيبة.. ولكني الان أحس أن السواد طغى على كل شيء, عندما تلقيت البارحة خبر استشهاد أخي المهندس الضابط …في ادلب .. أخي الوردة ذو الخمسة والاربعين ربيعا, الذي خدم الوطن بكل اخلاص ولم يبخل على سوريا في يوم من الايام .. الى أن جاء اليوم الذي سقاها فيه بدمائه .. أخي شاب تتحدث بأخلاقه سوريا كلها.. مصابي عظيم, وفاجعة أبي وأمي أكبر من الوصف..وأما أطفاله الثلاثة الصغار الذي يبلغ اكبرهم من العمر اربع سنين وأصغرهم شهرين فقط، فلا أستطيع وصف مصيبتهم….. نارام العزيز, لا أريد منك الا أن تقول لي أن أخي لم يمت فداء للاشيء .. قل لي أن خسارته ودمه المسفوك سينبت وردا جميلا ممشوقا .. كقامة أخي…. لقد فقدت شيئا عظيما بوفاته, وكأن الشريان الذي يمدني بالحياة والامل انقطع..حتى أني لا أعرف إن كانت سوريتي الحبيبة تستحق كل هذه الدماء .. سورية أخذت أجمل العرسان وأحلاهم, سوريتي تعرف كيف تختار عريسها… أخ .. آخ يا سوريتي.. تلعثمت وأنا أقرأ الرسالة .. وشهقت ..وضغطت على شفاهي .. فقد رفع كل الكلام الرايات البيضاء لهذه المشاعر التي دخلت قلبي كما لو كان قلبي “مكة” في يوم الفتح العظيم ..وقد جاءه الحق وزهق الباطل ولكن.. ولكن.. ولكن ليس كلام الصدق فقط من يقدر على احراج البلغاء و يلعثم الشعراء … بل كلام الثوار الوثنيين أيضا .. فالثوار وثنيون بلا ريب .. وكلام الوثنيين الغبي عن الههم “الحرية” يصر على أن يقتحم سلام روحك حتى لو سكنت في جرح المسيح نفسه .. وهم يقولون: اعل’ هبل .. تعلو الحرية.. لقد زارتني منذ أيام سيدة عراقية من بغداد تعرفت عليها يوم كنت في فرنسا .. وهي تعتبر نفسها “ثائرة” ومن نشيطات الحرية وثرثرات حقوق الانسان .. جاءت لتطلب مني أن أتنسم الحرية معها وأن أتوقف عن انكار “الثورة والثوار” .. وأن أفيق من غيبوبتي مع الديكتاتورية .. وقالت كلاما لايقوله غيفارا ولاتقوله الخنساء وختمت بالقول: الحرية تحتاج تضحيات .. ويجب أن تضحوا من أجل حريتكم ..مثلنا نحن -العراقيين-.. ثم ودعتني لأنها مسافرة .. مسافرة ليس الى بغداد .. بل الى باريس .. نعم الى باريس … فهي لديها جواز سفر فرنسي حصلت عليه بعد اعلانها اللجوء الى فرنسا منذ أن سافرت هاربة اليها في حاوية زيت .. على متن حاوية زيوت .. وعندما وصلت الى الباب سألتها: ولكن لماذا الى باريس وانت التي هربت من صدام حسين؟ .. هاهو العراق حر من الديكتاتورية البعثية ومن الديكتاتور .. وقد دفعتم ثمن حريتكم الملايين من الأرواح .. أليس من الأجدر بك الآن أن تعودي الى البلد الحر حتى على متن حاوية زيوت أخرى؟ … فجاوبتني .. (ودمع العين يسبقها): ولكن أنت تعلم .. بأن العراق انتهى .. شظايا وارهاب وعدة دول تلعب فيه .. كأنك لاتزال في غيبوبة ولاترى انهم لايريدون لنا أن ننعم بالحرية.. بعد كل محاضرتها عن الحرية .. كانت النتيجة أنها مسافرة الى باريس …وليس الى بغداد الحرة التي تلعب فيها عدة دول حرة … لأن الحرية أنهت ماكان يسمى العراق .. وتريدني أن أكون مثلها وثنيا وأحرر سورية .. كي ألتحق بها في باريس .. لاجئا مثقلا بالحرية .. ولكن بلا وطن .. تطعمني المساعدات والتبرعات وأتسول منها ثمن حقيبة سفر .. وتحيط بي نظرات الشفقة والازدراء .. وبعد هذا الكلام هل يستفيق الكلام من غيبوبته ياصديقتي الثائرة .. بل بالله عليك، من منا في غيبوبة؟؟!!ومن منا هو الوثني؟؟!! .. شتان مابين المرأتين ..وشتان مابين الكلام هنا والكلام هناك .. وماأصعب الكلام بين هذين النقيضين .. وبين هاتين المرأتين … إمرأة من الجنة .. وامرأة من النار.. امرأة سورية من ذهب ومن عصير العنب .. وامرأة لاجئة في حاوية من حرائر أبي لهب .. تثرثر في ربيع العرب إمرأة سورية صارت أخت شهيد أو أم شهيد .. وتحلم به وردا ممشوقا ينمو في سورية .. وامرأة عربية صارت باريسية ..خرجت من حاوية زيوت .. وتبشر بزيوت الحرية .. وتعود الينا .. بعطور باريسية .. لتبيع لنا زيتا أو ضوءا للمصباح .. ولتخلط دمنا بشعارات وزيوت وثنية .. ولذلك قررت أن أقدم للسيدة الباريسية محاضرة وداع وهي لاتزال واقفة تبكي على الباب .. فقلت لها: “ان العرب ياصديقتي معروفون بدموع الوقوف على الأطلال .. ولعل أشهر دموع العرب على الاطلاق هي دموع أبي عبد الله الصغير عندما غادر قصره في الأندلس مطرودا الى الأبد .. فبكى مثل النساء ملكا لم يحافظ عليه مثل الرجال” .. اننا جيل لانحب ظاهرة أبي عبد الله الصغير ..ولا عبد الله الصغير .. ولانحب عبد الله الكبير.. .. ولاعبدالله الثاني .. ولا آل ثاني .. ولا كل العبيد والعبابيد .. ولاكل الذكريات الأندلسية القاسية في غرناطة المهزومة .. ولذلك فاننا لانستطيع أن نفرط ببلدنا من أجل لعبة الحرية .. وسنموت .. اغتيالا ..أو نسفا ..أو قنصا .. أو في مطاردة لصوصكم ورجال حرياتكم في مغاور ادلب .. وفي أزقة حمص .. أو قد نموت في بزاتنا العسكرية .. لايهم ..ولكن لن نموت في أسواق الخليج ولافي أسواق باريس .. ولا في معسكرات اللجوء .. ولا نريد أن ندخل الى مخيمات سكان الاونروا وقوائمها .. ونعرف أن مابعد طور الحرية المستوردة طور ذرف الدموع .. والدم الغزير والندم.. لا نريد أن نذرف دموع أبي عبد الله الصغير على بلدنا … ولا أن نبكي بلدا مضاعا لم نحافظ عليه مثل الرجال .. ونحن لن نكون جيل أبي عبد الله الصغير ..ولن نكون جيل عبد الله الكبير ..ولسنا مغرمين بزيوته النفطية ووثنيات حريته .. .. سنموت ولن تموت بلادنا ..وسنموت ولن تموت الحكايا التي ستحكي عنا ..والتي اختلطت دماؤها بدمائنا ..والتي ستحكي عن دمنا الذي تبرعنا به لسورية عندما نزفت وهي جريحة .. فسورية لاتموت ولا تلد ولا تولد ..وسورية هي التي يحميها من “لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد” .. ومنذ اليوم نحن من يجب أن نرسم خرائطها .. لا أقلام سايكس ولابيكو الملونة .. لاهنري ليفي ولا فيلتمان ..لاأوباما ولا أردوغان .. ولا دواليبي ولابرهان .. والحرية التي تأتي معطرة من باريس ولندن ونيويورك لاتساوي عطر ماء الورد الذي تصنعه أصابع الصبايا في بلادنا لتسقي به حلوق الشباب المقاتلين .. ولاتساوي عطر الليمون الذي يفوح في التلال صباحا وهو يعلن أنه لايحب ذكريات سايكس بيكو والثورة العربية الكبرى .. والحرية التي سننالها في مهرجانات الثورات العربية وحقوق الانسان ومجلس الأمن ..هي حرية حيوانات السيرك..وماأكثر حفلات السيرك هذه الأيام ..وماأكثر المصفقين في مسارح السيرك.. .. ( السبت 2012/05/05 SyriaNow) \\ ابو فاتح \\ | |
|