الأسد وتشافيز والعالم الجديد ...جورج كرم
لمناسبة أسبوع آلام السيد المسيح، توجه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز إلى مسقط رأسه في ولاية باريناس وحضر إلى الكنيسة للمشاركة في صلوات الجمعة العظيمة، وخاطب المصلين متضرعاً إلى ربه أن يبقيه حياً على هذه الأرض لأنّ لديه المزيد من الأعمال التي لم يتممها بعد لأجل خير شعبه، والعالم بالطبع.خلال صلاته، تعهّد تشافيز بحمل الصليب طوال عمره ووضع إكليل شوك على رأسه وعيش حياة الآلام والعذابات، في مقابل أن يبقيه الله حياً. وكان تشافيز عاد من كوبا حديثاً بعدما خضع لعملية جراحية هناك لاستئصال ورم سرطاني اكتشفه الأطباء العام الفائت. ويعتبر تشافيز من ألدّ أعداء الأمبريالية ومن أكبر مناصري الشعوب التي تصبو إلى التخلص من نير التبعية السياسة للغرب عامة وللولايات المتحدة خاصة. كما يصادف أسبوع الآلام هذا العام الذكرى العاشرة لمحاولة الإنقلاب الفاشلة في فنزويلا، بدعم أميركي، لتنصيب « مهرّج» يدعى كارمونا مكان الرئيس تشافيز، وكانت خطة الأطاحة بتشافيزعام 2002 ترتكز على محاولة شل قطاع النفط، أكبر قطاع إقتصادي في البلاد، بمساعدة مسؤولي نقابة عمال القطاع الفاسدين، وكاد الإنقلاب أن ينجح آنذاك لو لم يتحرك الشعب وينزل إلى الشوارع ويعيد الرئيس إلى قصر « ميرافلوريس» دونما حاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة، علماً أن وسائل الإعلام المحلية التي يملكها الرأسمالي البليونير سيسنيرو وبينها محطة « فينيفزيون» تواطأت مع الإنقلاب المدبّر ورفضت تغطية نزول الجماهير إلى الشوارع تأييداً للرئيس، كما ألغت بعض الصحف المحلية المتآمرة على الرئيس هي أيضاً عددها الصادر في اليوم التالي للإنقلاب « بذرائع أمنية»، بغية التعتيم على انتصار تشافيز. والجدير ذكره أنه عندما التحمت التظاهرات المؤيدة للرئيس بالتظاهرة المناوئة له يومذاك أطلق قناصة النار من فوق جسر على المتظاهرين لإثارة البلبلة والتوتر، فما كان من محطة « فنيفزيون» إلاّ إعادة فبركة الأفلام المصوّرة يومذاك وعرضها بشكل يوحي أن القناصة مطلقي النار هم من أتباع تشافيز. مؤامرة دولية وتعتيم أعلامي على التحرك الموالي وفبركة أخبار ومشروع رئيس دمية، كلها وقائع ألفناها اليوم، ولو استبدلنا إسم كارمونا بإسم غليون ومحطة « فنيفزيون» بمحطة «الجزيرة» وكلمة « فنزويلا» بكلمة « سورية» لوثب التاريخ اثني عشر عاماً إلى الأمام ووصل بنا إلى الشام اليوم، فالمؤامرة التي تعرض لها تشافيز واستغرقت سبعاً وأربعين ساعة، مطابقة في الكثير من تفاصيلها للمؤامرة التي تتعرض لها الشام، فأصحاب رأس المال عندنا ومحطاتهم التلفزيونية ذات الكافيار والخمس نجوم والعرعرة والتحريض المذهبي، يعملون بلا كلل على فبركة الأخبار، وتماماً مثلما قطعت ولصقت المحطة الفنزويلية قصاصات المشاهد وقتذاك لتوهم الناس بأن تشافيز يستخدم القناصة، تلقّن «الجزيرة» و«السي إن إن» و«البي بي سي» دروساً للممثلين لتلفيق أخبار تحريضية تهدف إلى تأليب الرأي العام الغربي، الغارق في الديون وأكل الدهون، على الشعب السوري ودولته الصامدة التي تمرغ أنف «إسرائيل» كل يوم في الوحل من خلال مواقفها الممانعة ودعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين، والفارق الرئيس بين الحالتين الفنزولية والسورية يكمن في الفترة الزمنية التي استغرقتها الحوادث على الأرض والتي طال أمدها في الشام أكثر من عام حتى الآن، أما وجه الشبه الأكبر فهو نزول الشعب بالملايين إلى الشوارع لمبايعة الرئيس وسحق رؤوس المتآمرين بأقدامهم وحسم الوضع لمصلحة الحق والحرية من القيد الأميركي. لعلّ أحد الأمور التي لم يتممها تشافيز بعد ويطلب لنفسه الأيام والسنوات من السيد المسيح لأجلها، إتمام وتدشين مشروع مصفاة النفط المقرر إنشاؤها وسط الشام بتمويل فنزويلي ـــ إيراني. يتشوق تشافيز أيضاً إلى أن تصبح بلاده عضوا فاعلاً في تحالف «الميركوسور» التجاري في أميركا الجنوبية الذي أخذ حديثاً قراراً بعدم السماح للسفن اللتي تحمل أعلام مستعمرة الفولكلاند البريطانية من الرسو في موانئها، في خطوة مواجهة لبريطانيا وظلها الإستعماري الذي ما برح يخيّم على زوايا الأرض، وإن يكن فاقداً الفاعلية في معظم الأحوال. كما يروم تشافيز أيضاً رؤية مجموعة دول «الألبا» التي أسسها وكاسترو عام 2004 وباتت تضم اليوم عشر دول، والمبنية على مبدأ تحالف دولي للعدالة الإجتماعية ومقايضة البضائع بدلا من اتفاقات التجارة الحرة التي تعودناها وغير المنصفة للطبقة العاملة، تتوسع لتصبح القوة الكبرى في القارة الأميركية، ومن يدري ربما يتمنى تشافيز لمجموعة دول «الألبا» أن تضم بلداناً أخرى في العالم خارج القارة الأميركية تؤمن هي أيضاً بمبادئ العدالة الاجتماعية وترفض طاطأة رأسها للغرب المستعمر الذي بدأت «إمبراطورياته» تتهاوى، فالولايات المتحدة تـئن تحت ضغط أزمة إقتصادية خانقة والإتحاد الأوروبي، رجل القرن الحادي والعشرين المريض، يحاول جاهداً الإبقاء على تماسكه وعلى وجود اليورو البائس، علماً أن الاقتصاد منهار في معظم دوله الأعضاء، وهذه «الإمبراطوريات» التي حملت ظاهرياً مشعل الحرية والمساواة في النصف الأخير من القرن الماضي تشن اليوم حملة استعمارية جديدة، متخلّية عن أقنعة «حقوق الإنسان» و«الحرية» التي استخدمتها وتباهت بها سابقاً، خالعة قفازاتها، ناشبة مخالبها وأنيابها للعالم في ما يشبه «وعية الموت»، محاولة وضع اليد على مقدرات الدول الأخرى ولو على حساب تصدير عصر همجي جديد إلى هذه الدول. من منّا لم يشاهد أو يقرأ عن الهمجية والعنصرية ضد الأفارقة السود مثلاً التي أتى بها حلف الناتو إلى ليبيا لحفنة مشاريع وتعهدات لجماعة ساركوزي، أو بالأحرى « قلقوزي» الذي باتت أيامه على كرسي الرئاسة معدودة بعدما جزمت الإحصاءات أن نهايته كرئيس باتت شبه مؤكدة في الإنتخابات الرئاسية الأسبوع المقبل، أو المحاكمات الصورية من دون أدلة التي ما زال أوباما يجريها في المعتقلات بوقاحة متحدياً العالم؟ قد يكون تشافيز بدأ يرى ملامح بروز نظام عالمي جديد أكثر عدلاً ومحبة حيث القنابل الوحيدة المسموح صنعها هي « القنابل والصواريخ الموجهة إلى الفقر والجوع والتخلف » كما قال في استقباله للرئيس الإيراني أحمدي نجاد هذا العام، وأجاب الأخير، هازئاً بالإتهامات الأميركية أن إيران لو صنعت قنبلة نووية لكان وقودها المحبة فقط. وقد تتلخص أماني تشافيز للمستقبل في عبارة واحدة قالها للرئيس الأسد خلال زيارته لسورية وهي « توثيق التعاون بين الدول للمساهمة في تعجيل سقوط الهيمنة الإمبريالية الأميركية على العالم وولادة عالم جديد متوازن يعمّه السلام». فنزويلا تشحن النفط اليوم إلى سورية متحدية الغرب وعقوباته، والناتو وأذياله يشحنون سلاح الإرهاب إليها. أحمدي نجاد يعرض علينا الطاقة الكهربائية، وثورة الغرب في الشام تأتينا بالظلمة والتقنين. إيران تعرض تسليح الجيش اللبناني بما يليق بدوره المقاوم للعدو، وأميركا ترسل إليه السلاح المهترئ الذي يصلح فقط لمحاربة المدنيين. ألم يحن الوقت بعد لرسم صورة جديدة للعالم تفرق بين دول محبة للعدل والسلام والتنمية الإجتماعية وأخرى مصدّرة للهمجية والاستعمار والتخلّف والخراب؟
\\ ابو فاتح \\
أحدث الصور 
موضوع: ألأسد وتشافيز ... والعالم الجديد ... 
الخميس أبريل 19, 2012 9:22 pm
