على أمل تحقيق الوحدة العربية
الكاتب الشيخ الأستاذ عبد العزيز الثعالبي (1874-1944)
الأحد , 26 فبراير 2012
لَيْسَتِ الوَحْدَةُ العَرَبِيَّةُ أُمْنِيَةَ كَاتِبٍ مُتَهَوِّسٍ، وَلاَ حُلْمَ مُؤَرِّخٍ، أَوْ خَيَالَ شَاعِرٍ وَاهِمٍ، وَلاَ خَاطِرَةً مُتَرَدِّيَةً فِي ذِهْنِ مَكْدُودٍ، لَكِنَّهَا حَقِيقَةٌ وَاقِعِيَّةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، يُغَالِطُنَا فِي تَصْوِيِرهَا أُدَبَاءُ الفَلْسَفَةِ السُّفِسْطَائِيَّةِ الذِينَ يُكَابِرُونَ فِي الحَقَائِقِ العِلْمِيَّةِ لِغَرَضٍ يَرْمُونَ إِلَيْهِ. وَقَدْ أَفْضَى بِهِمُ الأَمْرُ إِلَى تَجَاهُلِ المَحْسُوسَاتِ التِي لَهَا أَعْيَانٌ وَمُشَخَّصَاتٌ تَحْمِلُ فِي ثَنْيَيْهَا أَقْدَمَ تَارِيخٍ للْخَلِيقَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُصُولُ الأُرُوبِّيِّينَ فِي ذُرَى البِلاَدِ الآرِيَةِ. فالوحدةُ العربيّةُ كيانٌ عظيمٌ ثابتٌ غيرُ قابلٍ للتَّجْزئِةِ والانفصَالِ، يشْغَل قسماً كبيراً من رُقعةِ آسيةَ الغربية وشَطْراً من إفريقيا يَمْتَدَ رأسُهُ في الشرقِ منَ المحيطِ العربي، ويسير مَغْرِباً غَرْباً إلى المحيط الأطلانتيكي، ويَضُمُّ في هذا الشطر بين لَابَّتَيْهِ نصفَ القارةِ الإفريقيةِ. العَرَبُ بِقِسْمَيْهِمْ أُصُولاً وَفُرُوعاً الآهِلُونَ لِهَذِهِ الأَقْطَارِ الشَّاسِعَةِ الفَاصِلَةِ بَيْنَ آسِيَةَ وَأُورُبَّة مَا زَالُوا حَرِيصِينَ عَلَى عُرُوبَتِهِمْ وَيَتَفَاهَمُونَ بِلُغَةِ آبَائِهِمْ رَغْمَ كُلِّ مَجْهُودٍ خَارِقٍ بَذَلَتْهُ أُرُوبَّة لِصَرْفِهِمْ عَنْهَا. وَلاَ شُبْهَةَ فِي أَنَّ وَحْدَةَ الرُّقْعَةِ الجُغْرَافِيَّةِ وَاللُّغَةَ وَالدِّينَ وَالتَّهْذِيبَ وَالتَّارِيخَ هِيَ المَجَالُ الحَيَوِيُّ لِوَحْدَةِ الأَجْنَاسِ، إِذَنْ فَجَمِيعُ الظَّوَاهِرِ البَارِزَةِ التِي تُطَالِعُنَا بِهَا تِلْكَ الأَقْطَارُ المُتَمَاسِكَةُ تَدُلُّنَا دَلاَلَةً قَاطِعَةً عَلَى ثُبُوتِ وَحْدَتِهَا العَرَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ مُوَارَبَةٍ وَلاَ جِدَالٍ. وَلَنْ نَكُونَ مُجَازِفِينَ إِذَا قُلْنَا إِنَّ الأُمَّةَ العَرَبِيَّةَ آخِذَةٌ فِي الاِسْتِعْدَادِ لِلْقِيَامِ بِدَوْرِهَا التَّمْدِينِيِّ الذِي تَخَلَّفَتْ عَنْهُ بِضْعَةَ قُرُونٍ تَحْتَ تَأْثِيرِ نِظْرَةٍ خَاطِئَةٍ كَانَتْ وَبَالاً عَلَيْهَا. وَلَيْسَ مِنَ الهَيِّنِ أَنْ تَظَلَّ أُمَّةٌ يَبْلُغُ تَعْدَادُهَا مئات المَلاَيِينِ من البشر مُنْكَّسَةَ الرَّأْسِ إِلَى الأَبِدِ، وَهيَ القَابِضَةُ بِيَدِهَا مَفَاتِيحَ خُطُوطِ المُوَاصَلاَتِ وَمَعَابِرَ المَدَنِيَّاتِ وَلاَ يَنْقُصُهَا غَيْرُ قَلِيلٍ مِنَ الصَّلاَبَةِ وَالاِدِّكَار.
\\ ابو فاتح \\