وجهان من غرب وشرق .. فاقد الشيء لا يعطيه ..
سعود الفيصل 72 خريفاً
72 خريفاً هو عمر سعود الفيصل الملقب بالوزير الأزلي، فهو وزير للخارجية السعودية منذ عام 1975 أي منذ 37 سنة أي مؤبد كما يقال في لغة المحاكم فكل أمر جاوز الـ25 سنة هو أبدي، وربما من هنا جاء لقبه ـ الوزير الأزلي.
72 خريفاً وليس ربيعاً كما يقال فأي أحد لا يستطيع أن يقول إن «وزارته» كانت في أي من سنيها المديدة تلك ربيعاً سعودياً أو عربياً.. ربما كانت كذلك على الصعيد الشخصي فجميعنا يمر بربيع عمر ثم خريف عمر... وفي هذه الأيام، ونظراً لمرضه الشديد الذي قد يدفعه إلى تقاعد إجباري، ربما أراد سعود الفيصل أن يكون ختام وزارته ربيعاً فركب موجة ما يسمى الربيع العربي، إلا أنه لم يفعل هذا الأمر إلا في سورية، ففي مصر مثلاً لم تتوقف وزارته في بداية «الثورة» عن وصف المتظاهرين بالمندسين الذين يقودون مصر إلى الفوضى والاضطرابات كل ذلك فقط لأنهم ثاروا ضد حليفه حسني مبارك ؟.نحن السوريين لدينا عادة ربما تكون محمودة وقد تكون مذمومة، والعادة هي أننا ندقق في تفاصيل وجه من يقابلنا لأن سيماهم في وجوههم وأحياناً ندقق كثيراً إذا كان من يقابلنا بلا ملامح أو أنه تعلم جيداً إخفاء ما بداخله، وقد نفشل أحياناً في قراءة الوجوه لكننا في الأغلب ننجح ومع سعود الفيصل لا نعتقد أننا بحاجة إلى كثير تدقيق فما بداخله من غل وسموم ينضح به وجهه ولا نعتقد أنه يستطيع إخفاء ذلك مهما تعلم وتدرب. وجه سعود الفيصل بنظرته الجاحظة والغائرة في آن لا يمكن أن يعطيك شعوراً بالراحة أو الاطمئنان، فهي نظرة لا تبدو مفهومة بخلاف وجهه ثم يأتيك ما ينطق به لسانه الثقيل عربياً فتزداد حالة اللا فهم التي لا تنجلي إلا بالبيانات الصادرة من وزارتهز .ليس سراً أن سعود الفيصل هو أحد أبرز من يرسمون سياسات المملكة خصوصاً الخارجية بشقيها: الدولي- الأميركي، والعربي- الإقليمي (الإيراني خصوصاً ).وفي الشق الثاني يقال إن سياساته تشبه ما ينضح به وجهه وهذا ليس قولنا بل هو قول وارد في تقرير لجامعة ستانفورد الأميركية وصف تلك السياسات بالسياسات السمية مضيفاً: إن كل نهج تروج له السعودية (عبر سعود الفيصل) هو نهج مثير للشكوك . وفي سورية فإن ذلك النهج هو الأكثر سمية على الإطلاق وهو لا يخفي نفسه وسعود الفيصل يتصدره قولاً وفعلاً يدميان بلادنا منذ ما يزيد على عام . منذ بداية ما يسمى الربيع العربي مطلع العام الماضي جاهرت السعودية بعدائها له فهي استقرأت مبكراً أنه لا بد أن يصل إليها.. استعانت برجال الدين لديها لإصدار سيل من الفتاوى بتحريم الثورات وتحريم التظاهرات، رجال الدين هؤلاء هم نفسهم من وصفهم سعود الفيصل قبل عام في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بأنهم رجال ينفثون سمومهم في فتاوى تعبر عن إحباطهم وعدم قدرتهم على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. طبعاً في المقابلة نفسها تحدث الفيصل عن «الليبرالية التي تنمو وتزدهر في السعودية!!» تخيلوا ليبرالية في السعودية !!.البعض انقلب على قفاه ضحكاً، بمن فيهم الأميركيون أنفسهم، معتبراً أنها نكتة الموسم والبعض قال إنها مجرد تصريحات لمهادنة الأميركيين حتى تخفف جمعيات حقوق الإنسان لديهم من بياناتها المنددة بالقمع في السعودية.. ويضيف هؤلاء: إذا كان ذلك صحيحاً فليخيط الفيصل بغير هذه المسلة ويسألون: كيف يعتقد أن الأميركيين سيصدقون وجود ليبرالية في السعودية وهم يعرفونها جيداً جداً؟، ثم كيف ستنمو الليبرالية وتزدهر في دولة ديدنها القمع واستخدام الفتاوى ضد المعارضين والرافضين وقتلهم باسم الدين؟، وكيف يتحدث الفيصل عن الليبرالية وهو اللاهث اليوم وراء رجال الدين إياهم بحثاً عن فتاوى تنقذ النظام السعودي من «الربيع العربي» الذي وصل أراضي المملكة وهو ينمو ويكبر ولن يستطيع هو أو غيره إيقافه ؟.سعود الفيصل الذي يقدم نفسه كمصلح ومحاور مع المتظاهرين في بلده هو نفسه شاهد الزور في بلادنا.. والفيصل الذي عاش دهراً –ولا يزال- بوجه طائفي في سياساته مع بعض دول الجوار الإقليمي وفي مناطق في الداخل السعودي هو نفسه «القومجي» اليوم الذي لم يتذكر قوميته إلا في بلادنا.. لم يتذكر في المناطق الشرقية من بلاده عندما كانت القوات السعودية تطلق النار على المتظاهرين هناك، لم يتذكرها في البحرين التي أرسلت بلاده جيشاً لقمع انتفاضة الحرية والعدالة فيها.. وسعود الفيصل الذي لا يحيد عن ذلك المسلك اللطيف جداً مع «إسرائيل» ويعتبر التسلح العربي بمواجهتها تقويضاً لسيادة الدول العربية (يعتبر أن لبنان لن يكون سيداً ما دام حزب الله مسلحاً) هو نفسه من يزعق منذ أسابيع مطالباً بتسليح المعارضة السورية ويراها فكرة ممتازة وكأن المملكة لا تسلح منذ أشهر عصابات وميليشيات في بلادنا تطلق عليها اسم معارضة، وهذا قول مجلة «فورين بوليسي» الأميركية وليس قولنا. صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية أيضاً كانت أكثر صراحة في وصف التسليح الذي تمارسه السعودية في سورية، وهي الصراحة الأكثر إيلاماً لنا نحن السوريين.. تقول الصحيفة: إن ذلك التسليح يأخذ طابعاً مذهبياً بحتاً، والسعودية سعت على مدى الأشهر الماضية إلى توسيع دائرته بتشكيل ميليشيات مذهبية تحارب فئة معينة من الشعب السوري ،.ونعود إلى فورين بوليسي التي نشرت مقالاً للمحلل الاستخباراتي السابق في الخزانة الأميركية جوناثان شانزر قال فيه: إن التاريخ علمنا درساً مفاده أن لا شيء سيكون أكثر خطورة من السياسات السعودية خصوصاً في هذه الأيام، لأنها كما يوضح شانزر تعتمد المذهبية في هذه السياسات التي يرسمها سعود الفيصل كما ذكرنا بداية ألا.ليت سعود الفيصل ورث شيئاً عن والده الملك فيصل الذي لم يتردد في تركيع أميركا والغرب في حرب تشرين عام 1973 عندما قطع النفط عنهم.. سعود الفيصل اليوم يرفض تماماً استخدام النفط بمواجهة الغرب مهما اعتدى هذا الغرب على دول المنطقة وشعوبها.سعود الفيصل لم نسمع منه في أي يوم حملة على الاحتلال الإسرائيلي حتى في هذه الأيام التي تشن فيها إسرائيل غارات متواصلة على غزة راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى.. لم يقلها وإسرائيل تبتلع القدس الشريف وتدمر الأقصى المبارك- أولى القبلتين.. وثالث الحرمين.. لم يقلها خلال عدوان تموز الإسرائيلي على لبنان عام 2006.. لم يقلها رغم أن إسرائيل ككيان محتل أمر موثق في الأمم المتحدة.. لم يقلها لكنه قالها في سورية ولم يهتز له جفن وهو يقول «النظام في سورية سلطة احتلال» فليتفضل سعود الفيصل ويعّرفنا ما هو الاحتلال برأيه، وليخبرنا إذا كنا نستطيع أن نقول المثل عن النظام السعودي الذي يقمع متظاهري القطيف بالنار والرصاص.. وماذا سيكون موقفه إذا قررت دولة ما تسليح المعارضة السعودية. سعود الفيصل يضيق ذرعاً بما يسميه بطء التحرك تجاه سورية، هو يريد الذهاب فوراً إلى التدخل العسكري لإسقاط الدولة فيها، فهو مثلاً لم يستطع انتظار اختتام الجلسة العلنية لما سمي لقاء أصدقاء سورية الذي أرادوه بديلاً والتفافاً على الشرعية الدولية لضرب بلادنا فجاء مخيباً لآمال الفيصل لأنه لم يعتمد هذا الخيار فما كان منه إلا التصرف منفرداً والانسحاب إلى وراء الكواليس مهدداً علناً بذلك الخيار.سعود الفيصل الذي يدعو لتغيير الدولة في سورية طوعاً أو كرهاً هو نفسه الجاثم على صدور السعوديين منذ 37 عاماً وهو نفسه الذي رهن بلاده ومواطنيه إلى واشنطن ومخططاتها العدوانية في المنطقة. سعود الفيصل مثل حمد بن جاسم يكاد يجن جنونه لأن سورية دولة وشعباً ما زالت صامدة قوية وقادرة على رد خيانة وتآمر القريب والبعيد.. لكن سورية دولة وشعباً لن تنسى من " خان " ومن تآمر. " سورية الله حاميها " " تشرين "
" ابو فاتح "