البعث وشجاعة التغيير
إلى وقت قريب كان أهل حوران الطيبون يغنون بحماسة في الأعراس والمناسبات الاجتماعية الأخرى أهازيج من نوع.......... بعثية نزلت ع الشارع والله يعين اللي بيمانع.... ومن نوع.... من حوران هلت البشاير لعيونك يا بعث يا ثاير
.... ولعيونك يا أسد يا ثاير..... أيضاً إلى وقت قريب كنا ونحن نملأ استمارات رسمية وإلى جانب الكلمة الشهيرة «ترعرت» كانت الإجابة عن الانتماء السياسي كلمة حزبي تعني بدهياً بعثياً. ومثلما تغيرت الأهازيج كذلك لن تبقى كلمة حزب مرادفة للبعث فقط.ملاحظتان من هذا النوع يمكن أن تكونا إضاءات تنبيه حمراء أمام البعثيين وهم يتنادون إلى مؤتمر يعتبر مصيرياً لمستقبل البعث ومدى قدرته على قراءة الأحداث بشكل صحيح. ومن هنا فإن أكثر وأحق من يحتاج إلى بعث من جديد هو حزب البعث نفسه...
لن يكون بإمكان أحد أن يتجنب نقاشاً صريحاً وربما جارحاً حول ما يمكن أن يكون عليه حزب البعث الجديد أو المتجدد وخاصة أننا على أبواب مؤتمر يمكن أن نسميه مؤتمر التغيير لجهة حجم المطلوب أن يحدثه الحزب في نفسه شكلاً ومضموناً روحاً ووجوها. ماذا يحتاج البعث الآن؟ ربما هو أول الأسئلة التي يطرحها البعثيون على أنفسهم وهم يناقشون أوضاعهم والبلد التي هم فيها قادة الدولة والمجتمع تعيش على مزاج أزمة فيها ما فيها من الآلام وفيها أيضاً كما من التساؤلات الصعبة التي تحتاج إلى إجابات شجاعة بقدر ما هي صريحة. يحتاج البعث الآن إلى الكلمة السحرية والمنقذة وهي التغيير...... والتغيير يحتاج إلى الإرادة أولاً والقدرة ثانياً والشجاعة دوماً وكلها محل تساؤل إن لم نقل شك.... ضباب فكري كثيف يغلف مخاوف حقيقية على تراث حزب ألهّته السلطة عن تجديد نفسه وأغراه التفرد بالركون للسكون والرضا عن الذات.... وهو الآن مضطر لبعث أفكار جديدة تضع له مكانة تليق به... ومضطر أيضاً لمنافسة لم يكن له الخيار في تحديد زمانها ولا في اختيار أدواتها. ولعل أول الأسئلة الصعبة من تلك التي تتعلق بالأفكار سيكون بلا شك الموقف من العروبة التي يعتبر البعث معقلها الأهم، وخاصة أن العروبة تقدم نفسها الآن في أثواب غير مناسبة لا للفصل البارد ولا للمناسبة الحارة والبعث لا يستطيع ولا يريد أن يخلع هذه الأثواب. ثم إن العروبة في حد ذاتها مريضة بأمراض بعضها يبدو مستعصياً؟ العروبة المقدسة في فكر ووجدان البعث دنستها أنظمة لم تراع حرمة ولا ذمة وتركتها لعوامل التشكيك ولصنوف الرفض؟ ثم أيضاً في مجال الفكر سيكون لزاماً على البعث أن يناقش أهدافه بحيث تتحول من شعارات رومانسية إلى شعارات مقنعة لجيل لم يعد يتذكر من الخمسينيات إلا كونها تاريخاً مضى. أضف إلى كل ذلك أن المنافسة قادمة.... صحيح أن الأحزاب الجديدة بحاجة لفترة ليست قصيرة حتى تتمكن من الحصول على شارع تتنازعه أفكار مشتتة إلا أن لحظة المنافسة مهما تأجلت فستأتي حاملة معها مغريات التغيير والتجريب.
لهذا أقول إن هذا المؤتمر «مصيري» بكل معاني الكلمة التي تستوجب التخلص من عبارات المجاملة وتخدير النفس بالكذب عليها. إنه مؤتمر الصراحة والجرأة ومواجهة الحقائق لأنه ببساطة مؤتمر مستقبل البعث وأكثر.
\\ ابو فاتح \\ منقووووووووول